“الضنية” طبيعة ساحرة تحتضن “الأحلام“
لمحة عامة:
تجربة تُحاكي الخيال يختبرها زائر منطقة الضنية في شمال لبنان، التي تضم أعلى قمم شرق المتوسط في القرنة السوداء. تمتاز الضنية بجمال الطبيعة وغنى الأماكن الحضرية الشاهدة على ذاكرة أبناء المناطق الجبلية على مر العصور. ويساهم المناخ المتنوّع في جعلها مؤهلة لتكون وجهة سياحية طوال الفصول الأربعة. كما تُشكل وجهة ممتازة لقضاء فترات الحجر الصحي أو النقاهة النفسية بعد المعاناة من فيروس كورونا.
في السنوات الأخيرة، انضمت الضنية إلى مثيلاتها من المناطق الجردية، لتصبح مقصداً مهماً للسياحة الداخلية. وساهم إنشاء عدد من المجمعات الترفيهية في الاندفاعة السياحية لها التي كانت تعتمد تاريخياً على الزراعة والأنماط البدائية للمعيشة.
قصر الأحلام
تتنوع الأماكن التي يمكن زيارتها في الضنية، في بلدة (بخعون)، تلتقي بقصر الأحلام الذي يعتبر من أوائل الأماكن التي شكلت علامة فارقة في “السمعة السياحية للضنية”. يثير هذا القصر المخيلة، ويستفز حاسة النظر. فهو مزيج من عوالم كثيرة، وحضارات مختلفة. يؤكد مالكه طلال هوشر أن “في الأصل لم يتم إنشاء هذا القصر ليكون موقعاً سياحياً، وإنما ليكون منزلاً صيفياً للعائلة، بدأه الوالد وأكمله الأبناء”. مع إتمام البناء، انبهر أبناء الشمال بهذا المكان، وتهافتوا لالتقاط الصور، ووصلت شهرته إلى العالمية.
يعتبر هذا القصر مثالاً فريداً من القصور المرصعة في لبنان، فلكل حجر فيه قصة، وتم اختياره بعناية ليكمل المشهد العام للمبنى. ينتشر في أنحاء القصر عدد كبير من التماثيل والمجسمات، ويكتشف الزائر أماكن ومواقع من حضارات مختلفة. ففي هذا المكان تجتمع الهياكل الرومانية، مع آثار الفراعنة ونخيل الخليج العربي وسفينة فينيقيا وروح الصين والشرق الأقصى. كما بدأ طلال هوشر مؤخراً في ترصيع أرضيات القصر. ويرى مالكه أنه “مشروع دائم التطور”، لذلك يحرص على ترميمه والحفاظ على أصالته. ويؤكد أن أزمات لبنان انعكست على السياحة، وبانتظار عودة السياح يتكبد التكلفة الكبيرة للحفاظ على هذا الموقع النفيس.
ويستمر هذا الصرح في تحدي الزمن، ولكثرة التفاصيل التي يختزنها، يسود الشعور بأن زيارة واحدة غير كافية لاكتشاف هذا المكان. لأنه بمثابة “التحفة العمرانية” التي تؤرخ لتطور المجتمع البشري من العصر البدائي إلى الزمن الحاضر.
مسار المحميات
صعوداً نحو جرود الضنية، يسبح الزائر في خياله. فأمام عظمة الطبيعة لا يمكن إلا خوض تجربة من التأمل. فطن شبان المنطقة إلى أهمية تسليط الضوء على منطقتهم وجمالها، فبدأت مجموعة من المبادرات الفردية. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى التجربة الناجحة لفريق “درب الضنية” الذي بدأ بفكرة لشابين اثنين، عمر حسون ونزار الآغا.
مع هذا الفريق اتخذت السياحة البيئية في المنطقة بُعداً جديداً، أصبحت منتظمة. بدأ الفريق في تحديد المسارات، وكذلك تنظيم عمل المجموعات، بحيث يتم تنظيم “رحلة شهرية” إلى أعالي الجبال، وقلب الوديان، والمحميات الطبيعية. وأعطت هذه التجربة الأولوية للبيئة، والتنمية المحلية بدءاً بالتجارب الفردية.
تشمل الخدمات المشي، التخييم، والتزحلق على الثلج، كما تتضمن التعرف على خصائص المنطقة من نباتات وحيوانات وبالتأكيد “المطبخ البلدي”، واستحداث بيوت المضافة القروية.
إن الضنية تمتلك مواصفات السياحة البيئية كافة في لبنان، من أعلى قمم لبنان في القرنة السوداء (3088 متراً فوق سطح البحر)، وأعمق وادٍ في لبنان “وادي جهنم” الذي يربط الضنية وعكار، إلى جانب غابات الأرز في كفر بنين وجيرون، وكرم المهر، وبقاع صفرين جرد النجاص. كما تضم أكبر غابة صنوبر بري في الشرق الأوسط بمساحة 3 ملايين متر مربع تتشاركها السفيرة، طاران وبطرماز، بالإضافة إلى مغارة الزحلان، وهي مهيأة لاستقبال الزوار بفعل مشروع سياحي يضم مطعماً وسكة للمراكب إلى داخل المغارة، والجسر المعلق الشبيه بـ “جسور الأدغال”. كما تزدحم في الضنية الينابيع الطبيعية، وغابات اللزاب التي تعتبر الأكبر في لبنان، وهي ذات قيمة بيئية كبيرة لأنها معرضة للانقراض، وتحتاج الواحدة منها 500 سنة لتنمو وتكبر، إلى جانب غابة الدلب في وادي سري.
لا تعليق